خمسة أساليب في الإدارة وكيفيّة استخدامها

تُعدّ الإدارة العمود الفقري الذي تستند عليه المؤسسات والمنظمات بمختلف أشكالها لتحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية. في ظل تنامي التحديات وتعقيد بيئات الأعمال، أصبح لزاماً على القادة والمديرين اعتماد أساليب إدارية متنوّعة تتناسب مع طبيعة فرق العمل، وطبيعة الأهداف، والبيئة الداخلية والخارجية للمنظمة. يعتمد نجاح المؤسسة في كثير من الأحيان على اختيار الأسلوب الإداري الأنسب وتطبيقه بطريقة منهجية تراعي المعطيات الواقعية.

في هذا المقال المطول، سيتم تناول خمسة من أبرز الأساليب الإدارية التي أثبتت فعاليتها في مجالات متعددة، مع تفصيل كيفية استخدامها وتوضيح الخصائص والمواقف المناسبة لكل منها.

1. الأسلوب الإداري التشاركي (Participative Management)

تعريفه وخصائصه

يعتمد الأسلوب التشاركي على إشراك الموظفين في عملية اتخاذ القرار، ويُعرف أيضاً باسم “الإدارة الديمقراطية”. في هذا النمط، لا يُنظر إلى المدير كسلطة منفردة، بل كمحفّز ومحاور، ويُمنح العاملون الفرصة للتعبير عن آرائهم والمساهمة في صياغة الاستراتيجيات.

خصائص هذا الأسلوب:

• تعزيز مبدأ الشفافية.

• خلق بيئة عمل قائمة على الثقة.

• ارتفاع درجة الالتزام لدى الموظفين.

• تحسين جودة القرارات عبر تعدّد وجهات النظر.

كيفية استخدامه

يُستخدم هذا الأسلوب بفعالية في المؤسسات التي تعتمد على فرق العمل الإبداعية، مثل شركات التكنولوجيا أو المؤسسات البحثية. يحتاج المدير في هذه الحالة إلى:

• تنظيم اجتماعات دورية لعرض التحديات وطلب آراء الموظفين.

• إنشاء قنوات تواصل داخلية فعالة.

• تحفيز الموظفين على المبادرة والتفكير النقدي.

• تقبل الأفكار المخالفة وتعزيز ثقافة التعلّم من الأخطاء.

2. الأسلوب الإداري التوجيهي (Directive Management)

تعريفه وخصائصه

يعتمد الأسلوب التوجيهي على سيطرة المدير الكاملة على القرارات وتحديد المهام بشكل دقيق، ويُعرف أيضاً باسم الإدارة السلطوية. هذا النمط يُفضل في البيئات التي تتطلب الانضباط العالي، وسرعة التنفيذ، وتقليل الأخطاء.

خصائص هذا الأسلوب:

• وضوح في الأوامر والتعليمات.

• تركيز على النتائج النهائية أكثر من الوسائل.

• تقليل فرص التشتت وضعف الإنتاجية.

• فعالية عالية في المواقف الطارئة.

كيفية استخدامه

يناسب هذا الأسلوب المؤسسات العسكرية، أو خطوط الإنتاج الصناعية، أو فرق الطوارئ الطبية. ويجب على المدير الذي يستخدم هذا النمط أن:

• يُحدد الأهداف والمخرجات بوضوح تام.

• يُراقب الأداء عن كثب ويقيّم النتائج بانتظام.

• يتخذ قرارات سريعة وحاسمة.

• يُحافظ على مستوى عالٍ من الانضباط والالتزام بالقواعد.

لكن من المهم أن يتم تلطيف حدة هذا الأسلوب عبر التواصل الإنساني واحترام العاملين لتجنّب توليد مشاعر الإحباط أو التوتر.

3. الأسلوب الإداري التفويضي (Delegative Management)

تعريفه وخصائصه

يعتمد على تفويض الصلاحيات والمسؤوليات للمرؤوسين، ويُعرف أحياناً بالإدارة “المفوضة” أو “غير المتدخلة”. يثق المدير في كفاءة الفريق ويمنحهم الاستقلالية في اتخاذ القرارات المتعلقة بأعمالهم.

خصائص هذا الأسلوب:

• تعزيز الشعور بالملكية والمسؤولية لدى الموظفين.

• رفع الروح المعنوية والتحفيز الذاتي.

• نمو المهارات القيادية لدى الفريق.

• تقليل العبء الإداري على المدير.

كيفية استخدامه

يتطلب تطبيق هذا الأسلوب وجود فريق عمل مؤهل وقادر على اتخاذ قرارات فعالة. يُستخدم غالباً في المؤسسات التي تطبق الهيكل المسطح (Flat Structure) أو في المشاريع التي تعتمد على تخصصات دقيقة. لاستخدام هذا الأسلوب بفعالية يجب:

• اختيار الأشخاص المؤهلين لتسلّم المهام.

• تحديد الأهداف بوضوح دون التدخل في الوسائل.

• توفير دعم فني وإرشادي عند الحاجة.

• مراقبة النتائج وتقديم التغذية الراجعة البنّاءة.

يُعد هذا النمط من أنجح الأساليب في بيئات العمل الإبداعية أو المؤسسات الناشئة التي تعتمد على المرونة والابتكار.

4. الأسلوب الإداري التحويلي (Transformational Management)

تعريفه وخصائصه

الأسلوب التحويلي يركّز على إحداث تغييرات عميقة في ثقافة المنظمة عبر إلهام الموظفين وتحفيزهم نحو رؤية مستقبلية مشتركة. يُشجّع المدير التحويلي على الابتكار والتغيير المستدام، ويعمل على بناء علاقة قوية بين القائد والفريق.

خصائص هذا الأسلوب:

• خلق ثقافة مبنية على الرؤية والرسالة الواضحة.

• تحفيز الموظفين لتحقيق إمكانياتهم الكاملة.

• التركيز على التطوير المستمر والتمكين المهني.

• تعزيز الولاء المؤسسي وروح الفريق.

كيفية استخدامه

يُعد الأسلوب التحويلي مثالياً في فترات التحوّل المؤسسي أو إعادة الهيكلة أو تبني استراتيجيات جديدة. لتطبيقه بفعالية، يجب على المدير:

• صياغة رؤية ملهمة قابلة للتحقيق.

• دعم المبادرات الفردية والجماعية.

• توفير فرص تدريب وتطوير مهني مستمر.

• تبني مبدأ القيادة القدوة (Leadership by Example).

يتطلب هذا الأسلوب وقتاً وصبراً لتغيير الثقافة المؤسسية، لكنه يثمر في بناء مؤسسات ديناميكية قادرة على التأقلم مع المتغيرات المستقبلية.

5. الأسلوب الإداري التعاوني (Collaborative Management)

تعريفه وخصائصه

يركّز هذا الأسلوب على بناء شراكات بين مختلف وحدات المنظمة والعمل بروح الفريق الواحد. يتم تبادل المعرفة والموارد والمسؤوليات بشكل أفقي بدلاً من الهيكل الهرمي الصارم.

خصائص هذا الأسلوب:

• تقوية العلاقات بين الأقسام والإدارات.

• تسهيل تبادل المعرفة وأفضل الممارسات.

• تحسين التنسيق وتكامل العمليات.

• تقليل النزاعات الداخلية وزيادة التفاهم المؤسسي.

كيفية استخدامه

يُستخدم الأسلوب التعاوني في المؤسسات التي تعتمد على مشاريع متعددة الأطراف أو فرق عمل موزعة جغرافياً. لتطبيقه بفعالية، يجب:

• إنشاء فرق متعددة التخصصات تعمل على أهداف موحدة.

• توظيف أدوات التواصل الجماعي مثل Slack أو Microsoft Teams.

• تبنّي منهجيات العمل المرن مثل Scrum أو Agile.

• تشجيع التعلّم التبادلي والتغذية الراجعة الجماعية.

يساعد هذا الأسلوب على بناء مؤسسة متكاملة ومرنة في التعامل مع التحديات التنظيمية والفرص التعاونية.

جدول مقارنة بين الأساليب الخمسة

خاتمة

تُعدّ الأساليب الإدارية أدوات حيوية يجب أن يتقنها كل قائد أو مدير طموح لتحقيق أقصى قدر من النجاح المؤسسي. إن اختيار الأسلوب المناسب يجب أن يستند إلى تحليل عميق لمتطلبات البيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة، وكذلك إلى خصائص الفريق والمرحلة التنظيمية. وفي كثير من الأحيان، لا يكفي اعتماد أسلوب واحد، بل يجب الدمج بين الأساليب المختلفة بمرونة وذكاء لتلبية المتغيرات الديناميكية التي تفرضها بيئات الأعمال المعاصرة.

المراجع:

1. Robbins, S. P., & Coulter, M. (2021). Management (15th Edition). Pearson.

2. Yukl, G. (2013). Leadership in Organizations (8th Edition). Pearson Education.